Skip to Content

كيف يكون الشفاء من الأفكار ؟- من كتاب اليقظة والصلاة للكاهن يوحنا كاسيان

كيف يكون الشفاء من الأفكار ؟ 

Click to view full size image

(من كتاب اليقظة والصلاة للكاهن يوحنا كاسيان) 

كما أن للعديد من الأمراض أدوية، هكذا للأفكار دواء أيضاً. ما هو هذا الدواء؟ إنه اليقظة، الانتباه، الهدوء، الصلاة، قطع الصلة بكل ما هو شرير.

 والرسول بولس يتكلم عن ذلك عندما يخاطب تلميذه تيموثاوس (2تيمو5:4) "تيقظ في كل شيء". الآباء القديسون يتكلمون عن الموضوع هذا بتوسع. ما هي اليقظة؟ 

إنها سجن الأفكار. القديس يوحنا السلمي يعلمنا أن سجن الأفكار شيء، وحفظ الذهن شيء آخر. حفظ الذهن أسمى من سجن الأفكار. إن حفظ الذهن نقياً، ليس هو الاحتفاظ بالعقل نقياً. نقاوة الذهن (النوس) تتطلب نقاوة الأفكار، فيستحيل أن يكون المرء نقياً في الداخل إذا كان عبداً لأفكار شريرة.

إن نصيحة الآباء لنا هي أن نجمع الذهن (النوس) أعني قوة النفس، في جوهرها، وأن ننتبه للأفكار مقاومين أفكار الشهوات. من الواجب أن ننتبه للأفكار والذكريات والخيالات والصور محتفظين بذكر الله ومتأملين بالأفكار الصالحة.

القديس سلوان الآثوسي يعلمنا وينبهنا أن الشياطين تعمل على تسميمنا، وذلك لينفصل الذهن عن الصلاة فيهمل الإلهيات. في البداية يبدو الفكر الشرير صالحاً، ثم ما يلبث أن يتغير مفصحاً عن طبيعته. لهذا علينا أن نقاوم أي فكر حتى لو بدا صالحاً (الارشمندريت صوفرونيوس -الأب سلوان-ص169). 

ينبغي أن نحفظ عين النفس نقية (الذهن). فكما أن عين الجسد يجب أن تكون نظيفة حتى نرى بوضوح، هكذا يجب أن تكون عين النفس لنسلك بأمان.

إن حفظ الذهن، وسجن الأفكار، تُسمى في الأدب النسكي (الهدوء القلبي) لهذا فالهدوء بالمفهوم الأرثوذكسي ليس هو خارجياً أو جغرافياً. الهدوء المكاني هو بداية للهدوء القلبي.

 الهدوء القلبي يعني أن يكون القلب هادئاً. ويعلمنا القديس ثالاسيوس في هذا الصدد:

"اضبط أحاسيسك من أجل بلوغ الهدوء. اضبط أفكارك، ليهدأ قلبك".

عند القديس يوحنا السلمي هدوء الجسد هو علم قائم بذاته. بدون اليقظة والهدوء القلبي تستحيل القداسة ويستحيل العيش في حضرة الله. يتوجب على المسيحي الانتباه والتيقظ. ان هذا ليس شأن الرهبان وحسب، انه شأن جميع الذين خرجوا من جرن المعمودية.

الجوع الى الله، العطش اليه، السهر، الانقطاع وسواها، تساعد الانسان على التحرر من الخيالات والذكريات والصور والأفكار.

حب المجد الفارغ، حب اللذة، الطمع، الماديات، حب المال، هي أسباب تحرك في الانسان ذكريات عديدة تمرمره وتحزنه وتغضبه.

الشهواني يحزن لأنه معرّض أن يفقد موضوع شهواته. لهذا فإن احتقار الماديات والدنيويات التي تغربنا عن الله، من شأنه أن يقطع دابر المسببات ويلجم الأفكار وغيرها.

ولا بد -إذا ما أراد الإنسان التحرر من الأهواء- أن يجاهد ضدها، وضد الأفكار التي تسببها. ويجعل الآباء القديسون علاجات لكل مرض. فهوى الزنى يُحارب بالصوم والسهر والعمل والصلاة. وهوى الغضب والحزن، بمقت الشرور وبالصلاة من أجل من يحزننا ويخدعنا. 

إن أمراً آخر واجب من أجل هذه النصرة، إنه قطع الملذات وانفطام القلب عن الدنايا. قطع ملذات القلب يتطلب قطع ملذات الجسد. حاجات الجسد شيء، وملذاته شيء آخر. اللذة عملاق كبير في الحياة الروحية، بدون ضبطها والسيطرة عليها، يتعذر السعي في سبيل الكمال. 

أغلب الناس في هذا العصر يُحارَبون بالشهوات والملذات. المرأة هي موضوع الساعة.

إنها واجهة أي معروض عبر وسائل الاعلام. الإنسان في هذا العالم يذوب كالشمع أمام النار عندما يستسلم للملذات. كذلك فإن ضراوة الأفكار تتلاشى، والأفكار تتبدد، عندما نتمسك بالله من كل القلب والنفس والجسد والروح. 

دواء آخر واجب في المسير الروحية: إنه العمل والنسك. والصوم دعامة كبيرة في دنيا الشهوات والملذات. إنه ركن وطيد في عيش الصلاة وتنقية القلب. لا تبلغ الصلاة مرماها بدون تعب وبدون جهاد. هذا ينبغي أن نعمله في كل يوم وفي كل ساعة كما تقول صلاة النوم الصغرى. 

يحتاج المرء في كل ما ذُكر إلى عناد ومقاومة. التراخي يؤذي صاحبه. إنَّ الأدب النسكي يعج بالنصائح والمواجهات. ولا بد لنا من مطالعته إذا أردنا الاستفادة من خبرات الآباء ونصائحهم. 

إن القديس مكسيموس المعترف يطالبنا بواجب السيطرة ليس فقط على الأهواء الجسدية، بل النفسية أيضاً، فبدون الثانية، يستحيل تحقيق الأولى.

إن لصلاة الرب يسوع فعلاً عجيباً في بنائنا الروحي. 

إن من خاض غمار هذا الدرب المقدس بروح الآباء القديسين لا بد أن يصل الى قداسة قلبه ونفسه وحياته. الروح القدس بيده القدوسة يرفع الجراح عن النفس المحبة لله.

الله لا يدع أحباءه في الهاوية.

إن من بلغ هذه الحالة يعرف أنه صار إلهاً بالنِّعمة.

 

 

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +