Skip to Content

كل إنسان يحتاج إلى التوبة

كل إنسان يحتاج إلى التوبة

 good-shepherd_001.jpg

كل إنسان يحتاج إلى التوبة . لأنه لا يوجد أحد بلا خطية . الكل معرض للخطأ . والذي يقول إنه لا يخطيء هو بغير شك واحد من اثنين : إما أنه إنسان لا يحاسب نفسه جيداً ، وإما أن مقاييسه الروحية في حاجة إلى تعديل .

 

شعور الإنسان باحتياجه إلى التوبة ، هو دليل صحة نفسية ، دليل على أنه يريد أن يصلح حاله وينقي قلبه .

أما الذي لا يشعر بحاجته إلى التوبة ، فلا بد انه سيبقى في أخطائه ، تمنعه كبرياؤه من الاعتراف بالخطأ ... إنه بار في عيني نفسه ، ولكنه ليس باراً أمام الله وأمام الناس ... حتى أن القديسين أنفسهم كانوا يجاهدون من أجل التوبة ، ولكن في مستويات عليا غير المستويات العادية ...

 

إن كان الأمر هكذا ،

فما هي التوبة إذن ؟

ليست التوبة هي مجرد ترك الخطية وعدم السلوك فيها ... فكثيراً ما يحدث أن يترك الإنسان الخطية لأسباب غير روحية ، يتركها ليس محبة للبر ، وليس لمحبته لله وإنما لأسباب أخرى ، يكون في خلالها خاطئاً دون أن يخطيء .

 

فقد يبتعد الإنسان عن الخطيئة أحياناً بسبب الكبرياء ، أو بسبب العناد ، أو بسبب الخجل ، أو بسبب الخوف : الخوف من أن يضبط ، أو الخوف من النتائج .

 

 

أو بسبب أن الفرصة لم تكن متاحة ، أو بسبب أن الخطية متعذرة أو رافضة ... وقد يرفض الخطية من أجل التظاهر بالبر أو من أجل مديح الناس ...

وفي كل هذه الحالات لا تكون الخطية في سلوكه ، وإنما قلبه ... هو يريد ولكنه لا يفعل ... والله فاحص القلوب والأفكار ، يعرف تماماً أن مثل هذا الإنسان ليس تائباً . إنه لا يزال في حياة الخطيئة ، ولا تزال للخطية سيطرة عليه ، وإن كان لا يخطيء بالفعل ...

 

إن التوبة هي حالة تغيير في القلب . هي نقطة تحول في حياة الإنسان ... هي تجديد للقلب .. هي حياة جديدة يحياها الشخص تختلف اختلافاً كلياً عن حياته الأولى في السقوط .

وقد يتغير إنسان ويسير في الفضيلة ، ولكنه لا يعتبر تائباً إلا إذا استمر في حياة الفضيلة دون أن يرجع إلى الوراء . فكثيرون يظنون أنهم تابوا ، وأن حياتهم قد تجددت ، ويستمرون في هذا الوضع الجديد مدة ، تحدث لهم نكسة روحية ، فيرجعون إلى أخطائهم ،

والبعض يقومون ثم يسقطون ، ثم يقومون ويسقطون . وفي هذه الذبذبة لا نستطيع أن نقول إنهم تابوا ... ربما يكونون في مجرد محاولات للتوبة ...

إن ترك الخطية ولو إلى فترة ، ليس هو التوبة الحقيقية ...

فقد يبعد الشخص عن الخطية ، أو تبعد الخطية عنه ، ليس لأنه قد صار باراً ، وإنما لأنه في هذه الفترة بالذات غير محارب بهذه الخطيئة بالذات ...

 

إن الشيطان ذكي في حروبه، يعرف متى يحارب ، يعرف متى يحارب ، وكيف يحارب ، وبأية خطيئة يحارب الإنسان . وإن وجد الإنسان مستعداً استعداداً كاملاً ومتحفزاً كل التحفز لمواجهته في ميدان معين ، قد يترك هذا الميدان ويحاربه في موقع آخر .

 

فإن وجدت نفسك مستريحاً فترة ما من خطيئة معينة ، لا تظن أنك قد صرت نقياً من جهتها .

ربما يكون الشيطان قد تركك إلى حين ريثما يعد لك كميناً في موضع آخر ، ثم يرجع إلى محاربتك مرة أخرى على حين فجأة بهذه الخطيئة التي ظننت أنك قد تبت عنها . لذلك كن حريصاً باستمرار ، يقظاً باستمرار ، مستعداً باستمرار ، لأنك لا تعرف في أية ساعة أو بأي شكل تأتيك الحرب الروحية ..

 

وقد تستريح فترة من خطيئة معينة بالذات ، ليس لأنك تبت عنها ، وإنما بسبب شفقة الله عليك .

أراد لك فترة راحة حتى لا تكل في الجهاد ، أو لكيلا تقع في اليأس ... وربما تكون الخطيئة قد بعدت عنك بسبب صلوات بعض القديسين الذين تشفعوا فيك أن يمد لك الله يد المعونة حتى لا تسقط . ربما تكون القوة الحافظة المحيطة بك هي التي دافعت عنك ، ولا يكون قيامك راجعاً لتوبة ..

 

هناك إذن فرق كبير بين إنسان منتصر في حياته الروحية ، وإنسان غير محارب . وتظهر التوبة على حقيقتها إذا حوربت فانتصرت . وقد ينتصر إنسان في حرب خفيفة ولكنه يضعف ويسقط إذا كان أغراء الخطيئة شديداً وقاسياً .

أما التائب الحقيقي فهو رجل الله الذي يحارب حروب الرب في عنفها وينتصر . ويستمر أمامه الأغراء ، ويستمر في نصرته ... مثل يوسف الصديق ...

 

هذه هي التوبة . إنها حياة النصرة . حياة الإنسان الذي يجاهد من أجل الرب وينجح . حياة القلب الذي يرفض الخطية مهما ضغطت عليه ...

ترك الخطية هو بداية حياة التوبة .

أما كمال التوبة فليس هو ترك الخطية ، وإنما هو كراهية الخطية . وقد يكره الإنسان الخطية أحياناً بعض الوقت اشمئزازاً منها أو كرد فعل لبشاعتها ، ثم يرجع بعد حين ، بعد زوال هذا الانفعال فيشتاق إليها مرة أخرى . ليست هذه هي التوبة .

 إنما التوبة هي كراهية حقيقية للخطية ، كراهية دائمة بسبب أن هذه الخطية لم تعد تتفق اطلاقاً مع طبيعة الإنسان الجديدة التي تجددت بالتوبة ...

على أن كراهية الخطية هي حالة سلبية . أما الحالة الإجابية فهي محبة الله . والتوبة الحقيقية هي النتيجة الطبيعية لدخول محبة الله في القلب . إنها استبدال شهوة بشهوة . إنها حلول شهوة البر محل شهوة العالميات . حلول الله محل العالم في قلب الإنسان .

 

التوبة هي الدرجة الأولى في السلم الروحي . منها يرتقي الإنسان درجة درجة في حياة القداسة والنقاوة حيث يصل أخيراً إلى الكمال . والكمال هو قمة الدرج الروحاني ...

 

 

وهذه القداسة ، وهذا الكمال ، لا يعلنهما الله للإنسان دفعة واحدة ، لئلا يقع في صغر النفس ، ويرى أنه ليس من السهل عليه الوصول ..

الكمال كالأفق ، هو آخر ما تصل إليه رؤيتك . عنده ترى السماء والأرض متعانقين .

 فإذا ما وصلت إليه ترى افقاً آخر في انتظارك بعيداً عنه . وعندما تصل إلى هذا الأفق اللآخر تتطلع إلى افق أبعد .

وتظل تنتقل من افق إلى افق ، ترقى من كمال إلى كمال أعلى . وأعلى ما يصل إليه الإنسان من كمالات هو جهالة بالنسبة إلى الله الذي فيه يرتكز الكمال الذي لا يحد ، له المجد في كماله إلى الأبد ، آمين .

 

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +