Skip to Content

انجيل الاحد: احد تجديد البيعة

Click to view full size image
الوحدة مع الآب

"كان عيد التجديد في أورشليم،

وكان شتاء". [22]

هنا نجد أيضًا حوارًا بين السيد المسيح واليهود داخل الهيكل، وكان ذلك في عيد التجديد Hanukkah، في الشتاء. كان هذا العيد تذكارًا لما فعله يهوذا المكابيعام 165/ 164 ق.م. قام بتطهير الهيكل من الرجاسة التي دنس بها أنطيخوسالرابع ابيفينوسالسرياني الهيكلقبل ثلاث سنوات (1 مك4: 36-59). والزمهم بالعبادة الوثنية، ومنعهم من ختان الأطفال وحفظ السبت. وقد جاء ذكر هذا العيد في أكثر تفصيل في ٢ مك ١: ١٨. كان يُنظر إلى عودة الحرية إليهم كمن قاموا من الموت وتمتعوا بالحياة من جديد، ولتذكار ذلك أقاموا عيدًا سنويًا في الخامس والعشرين من شهر كسلو، حوالي بدء شهر ديسمبر ويمتد العيدلمدة تسعة أيام بالأنوار. لا يُحتفل بالعيد في أورشليم وحدها كبقية الأعياد، وإنما يحتفل به كواحد في موضعه، وذلك كعيد الفوريم (إش ٩: ١٩). إذ كان اليهود يحتفلون بعيد تقديس الهيكل وتكريسه [22] أعلن السيد المسيح أنه هو الذي كرسه الآب وأرسله إلى العالم [36].

"وكان يسوع يتمشى في الهيكل في رواق سليمان". [23]

"فاحتاط به اليهود وقالوا له:

إلى متى تعلقأنفسنا؟

إن كنت أنت المسيح، فقل لنا جهرا". [24]

كان يسوع يتمشى في الهيكل، في رواق سليمان، وهو يقع في القسم الشرقي من دار الأمم، أكبر دار في منطقة الهيكل، يحوط المباني الداخلية. هذا لا يعني أن الذي بناه سليمان، لأن الهيكل تهدم وأعيد بنائه، لكنه صار لا يزال يحمل اسم أول من قام ببنائه، وقد احتفظوا باسم سليمان من أجل شهرته العظيمة "هيكل سليمان".

تمشى يسوع وحده كمن يلاحظ تصرفات مجلس السنهدرين الجالس هناك، حيث قيل: "الله قائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي. حتى متى تقضون جورًا وترفعون وجوه الأشرار؟" (مز ٨٢: ١–٢). يتمشى ليقدم خدماته لكل محتاج، ويجيب على كل تساءل، ولكي يفتح الباب لكل راغب في المشي معه في الرواق. سُئل السيد المسيح في اليوم الثامن من العيد إن كان هو المسيح، فأجاب:

أ- يعرف قطيع المسيح الحقيقي لاهوته ومسيحانيته [25-27].

ب- يخلص قطيعه في آمان وسلام [28-29].

ج- أكد يسوع وحدة الجوهر مع الآب، وأدرك اليهود أنه يساوي نفسه بالآب [30-31].

د - دافع عن لاهوته بأعماله وبنبوات الكتاب المقدس [32-39].

ه - إن كان إسرائيل يدعو قضاته آلهة [34-39] لأنهم يمثلون اللَّه (مز 7:82)، فلماذا يتعثرون في ابن اللَّه الحقيقي الذي أرسله الآب [36].

جاء إلى بيته وبيت أبيه، أي الهيكل، ليخدم كل نفس تطلبه، لكنهم اجتمعوا معًا كرجلٍ واحدٍ بنية شريرة يسألونه لماذا يعلق أنفسهم، فإن كان هو المسيح المنتظر فليخبرهم. يرى البعض أن السؤال حمل اتهامًا شريرًا.

كأنهم يقولون: لماذا تسحب قلوب الناس كما فعل أبشالوم حين تمرد على داود أبيه ليسحب منه العرش بروح الغش والخداع؟ أو لماذا تخدع قلوب البسطاء لتقيم لك تلاميذ؟ جاء سؤالهم يحمل مظهرًا صالحًا أنهم يريدون التعرف على الحق.

كانوا يعلمون أن المسيا سيكون ملكًا، لكن حسب فكرهم أنه ملك زمني. لهذا طلبوا إجابة صريحة كي يشتكوا عليه لدى السلطات الرومانية أنه متمرد وخائن للرومان.

لم يلم القادة أنفسهم على فساد أفكارهم وقلوبهم بل ألقوا باللوم على السيد المسيح نفسه الذي جذب الشعب وبعض القادة فسبب ارتباكًا وانقسامًا في مجمع السنهدرين. إنهم يلقون باللوم على السيد المسيح أنه تركهم في حيرة وارتباك. عوض لومهم لأنفسهم أنهم لا يقبلون الحق، ولا يريدون المعرفة. كأنه قد أرادت بعض القيادات الدينية اليهودية أن تدخل معه في مشاجرة: إلى متى تتركنا في حيرة وقلق؟ إلى متى تسحب قلوبنا؟ لتكن واضحًا وتعلن عن شخصك علانية. فإن أعماله تشهد أنه هو المسيا المنتظر، أما هم فيريدون كلمة صريحة ربما لكي يدينوه عليها متى أعلن أنه المسيا المنتظر.

يرى البعض في السؤال إعلانًا صادقًا عن الصراع الداخلي بين شعورهم بقدسيته،إذ أعماله تظهره،واقتناعهم بشخصه، وبينخوفهم على مراكزهم وفساد قلوبهم الذي يمنعهم عن قبوله، فإنهم يريدون مسيحًا حسب هواهم، يحقق لهم اشتياقاتهم الزمنية.

أظهروا أنفسهم كمن يريدون المعرفة، مع أن القديس يوحنا المعدان شهد لهم بكل وضوح، والسماء أعلنت عن شخصه، والسيد المسيح نفسه حدثهم أنه نور العالم والراعي الصالح، وواهب الحياة الأبدية، وأعماله شهدت لشخصه.

يرى البعض أن كلمة "نفوسنا" هنا تعني "حياتنا"، وذلك كما سبق فقال السيد المسيح: "لي سلطان أن أضع نفسي"، أي يموت. ولعل بعض اليهود شعروا أن تعاليم السيد المسيح بما فيها من حب وتسامح ستفضي تمامًا على حياتهم كأمة يهودية. وقد عبَّر عن ذلك قيافا حين قال: "إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به، فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا" (١١: ٤٨).

v     لقد عرف أن نيتهم التي بها قدموا هذا التساؤل شريرة. فإنهم إذ يحيطون به وبقولون: "إلى متى تعلق أنفسنا؟" كما لو صدرت عن غيرة نحو المعرفة. لكن غايتهم كانت منحرفة وفاسدة مملوءة قروحًا خفية... فإنهم لم يسألوا لأجل التعلم كما يبدو الهدف[1137].

القديس يوحنا الذهبي الفم

"أجابهم يسوع:

إني قلت لكم ولستم تؤمنون.

الأعمال التي أناأعملها باسم أبي هي تشهد لي". [25]

طلب اليهود إجابة واضحة وصريحة، إما نعم أو لا. هذا لم يكن ممكنًا، لأن مفهومهم "للمسيا" يختلف تمامًا عما في خطته الإلهية. ومع هذا فقدوضع السيد المسيح إصبعه على المشكلة، إذ لا تنقصهم المعرفة، بل تنقصهم الإرادة أن يؤمنوا. أعماله الإلهية تشهد لشخصه (يو ١٤: ١١). المشكلة في داخلهم وليست في الكشف عن شخصه. لكي لا يكون لهم عذر قال لهم أنه سبق فأخبرهم بالكلام كما بالعمل. سبق فأعلن لهم أنه ابن الله وابن الإنسان الذي له الحياة في ذاته، وأنه صاحب سلطان أن يدين، أفليس هو المسيح؟ لقد تظاهروا أنه تركهم في حيرة، لكنه أكد لهم أنهم لا يريدوا أن يؤمنوا. أشار إلى أعماله وإلى حياته، فهو الذي بلا خطية، أعماله وحياته تشهد لحقيقة شخصيته الفريدة

من جانب يود أن يقدم كل معرفة حقيقية، إن كان الشخص مخلصًا في طلبها، وذلك كما فعل مع المرأة السامرية (٤: ٢٦)، ومع المولود أعمى (٩: ٣٥ – ٣٨). لقد عرفه بعض أتباعه منذ البداية (١: ٤١)، والتف حوله البعض إذ أدركوا أنه المسيا المنتظر. لقد سبق فأعلن لليهود: "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (٨: ٥٨) فأرادوا أن يرجموه. سمعوا بما فيه الكفاية عن شخصه فاتهموه بالتجديف، لأنه جعل نفسه مساويًا لله (٥: ١٨).

v     يبين السيد المسيح لليهود هنا أنه قد أبدى بأعماله صوتًا أكثر وضوحًا من صوته بأقواله.

القديس يوحنا الذهبي الفم

"ولكنكم لستم تؤمنون،

لأنكم لستم من خرافي،

كما قلت لكم". [26]

يلقي باللوم عليهم فإنهم حرموا أنفسهم من أن يكونوا من قطيعه فكيف يمكنهم التعرف عليه؟إنهم ليسوا من قطيعه ليس بسبب نقص في الشهادة عن شخصه، وإنما بسبب نقصهم في الإيمان. ليس لهم عذر. إذ وُجد قطيع للمسيح آمنوا به خلال كلماته وأعماله وعرفوا صوته الذي يعطي لحياتهم معنى. هؤلاء يدينون من لم يؤمنوا به الذين بسبب عدم إيمانهم لم ينضموا إلى قطيع المسيح، ولا تعرفوا عليه أنه المسيا المنتظر، ولا عرفوا صوته، لذلك فهم يتبعون رعاة آخرين.

v     كأن السيد المسيح يقول لليهود هنا: فإن كنتم لم تتبعوني فليس لأني لست راعيًا لكن لأنكم لستم غنمي. قال السيد المسيح هذا لكي يريدوا أن يصيروا غنمًا له، ولكي ينهضهم ويجعل فيهم هذه الشهوة[1138].

القديس يوحنا الذهبي الفم

v     أجابهم أنه هو ابن الله. كيف؟ أنصتوا: "أجابهم يسوع: إني قلت لكم ولستم تؤمنون، الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي، ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي" (يو 10: ٢٥–٢٦)... إنهم خراف بالإيمان، خراف باتباع الراعي، خراف بعدم الاستخفاف بمخلصهم، خراف بدخولهم من الباب، خراف بدخولهم وخراف بخروجهم ليجدوا مرعى، خراف بتمتعهم بالحياة الأبدية. إذن ماذا يعني القول: "أنتم لستم من خرافي" (٢٦)؟ لقد رآهم قد وُضعوا للهلاك الأبدي، ولا ينالوا الحياة الأبدية بدمه[1139].

القديس أغسطينوس

"خرافي تسمع صوتي،

وأنا أعرفها،

فتتبعني". [27]

قدم لهم السيد المسيح علامات قطيعه، وهي أنها تسمع صوته كراعٍ لها، أنها تعرف صوت حبه واهتمامه، فتلتصق به وتتعرف عليه في أعماق جديدة، وتتأهل أن تكون موضع معرفته. وكما يقول الرسول: "يعلم الرب الذين هم له" (٢ تي ٢: ١٩).

v     هذا هو المرعى، إن تذكرتم ما قاله قبلاً: "يدخل ويخرج ويجد مرعى". إننا ندخل الإيمان ونخرج عند الموت. ولكن إذ ندخل من باب الإيمان، فإننا كمؤمنين نترك quit الجسم، فإنه بالخروج بذات الباب يمكننا أن نجد مرعى. المرعى الصالح يدعى الحياة الأبدية، حيث لا توجدورقة نبات جافة، بل الكل أخضر ومنتعش. يوجد نبات يُقال عنه أنه دائم الحياة، هناك فقط يوجد ليعيش[1140].

القديس أغسطينوس

"وأناأعطيها حياة أبدية،

ولن تهلك إلى الأبد،

ولا يخطفها أحد من يدي". [28]

لكي يقنعهم بالبؤس الذي يحل برفض الالتصاق به والانتساب إليه قدم لهم الجانب الإيجابي وهو بركات الحياة المطوبة التي يتمتع بها قطيعه ألا وهي الحياة الأبدية السماوية. أما هنا على أرض التعب والألم فقطيعه محفوظ بالروح القدس، لن يقدر العدو أن يمسه. وكما يقول المرتل: "هذا المسكين صرخ والرب استمعه، ومن كل ضيقاته خلصه. ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم" (مز ٣٤: ٦–٧). إنه يعرفهم تمامًا، ويعرف احتياجاتهم، ويعرف مقاومة العدو لهم، لكنهم محفوظون فيه.

هنا يقدم السيد المسيح الحياة الأبدية كهبة لمن يؤمن به، كما يعلن عن الأمان الذي يتمتع به المؤمن، إذ هو محفوظ في يده، الأمر الذي لن يتمتعوا به خلال الفريسية التي يتمسكون بها. انضمامهم إلى قطيعه يهبهم أمانًا لن يبلغوه بأية وسيلة أخرى. وكما يقول الرسول بولس: "لأن هبات الله، ودعوته هي بلا ندامة" (رو ١١: ٢٩).

قطيع السيد المسيح هو هبة يتسلمها الابن من يد الآب، ويبقى محفوظًا في يد الابن [٢٨] كما في يد الآب [٢٩]، أي محفوظ بالروح القدس الذي هو روح المسيح وروح الآب أيضًا.

جاءت كلمة "يهلك" هنا لتعني المصير المرعب لدمارٍ أبدي، لذا فالخلاص منه لا يُقدر بثمن. أما كلمة "يخطف" فتشير إلى سلوكٍ عنيفٍ ضد الشخص، ليس من يقدر أن يحمينا منها سوى يد القدير التي تحفظنا فيها.

v     "لن تهلك إلى الأبد" [٢٨]... ماذا يستطيع الذئب أن يفعل؟ ماذا يمكن للسارق أو اللص أن يفعلا؟ إنهم لا يهلكون أحدًا إلاَّ الذين هم معينون للهلاك. أما عن تلك الخراف التي يقول عنها الرسول: "يعلم الرب الذين هم له" (تي ٢: ١٩)، "الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم... والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضًا، والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضًا، والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضًا" (رو ٨: ٢٩ – ٣٠)، ليس أحد من هذه الخراف يمسك بها الذئب، أو يسرقها سارق، أو يذبحها لص[1141].

القديس أغسطينوس

"أبي الذيأعطاني إياها هوأعظم من الكل،

ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي". [29]

يرى القديس أمبروسيوس أن الروح القدس الذي هو روح الآب أيضًا روح الابن، هو يد الله الآب والابن. فالخراف التي تسمع صوت المسيح لن يقدر أحد أن يخطفها من الآب أو من الابن أو من الروح القدس[1142].

v     قول السيد المسيح: "ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبييُظهر أن يده ويد أبيه واحدة في القدرة، ومن جوهر واحد بعينه.

وقوله "ولا يخطفها أحد من يدي، أبى الذي أعطاني إياها" قيل لأجل أولئك اليهود لكي لا يدعونه مخالفًا لله.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v     هل للآب والابن يد واحدة، أم نقول إن الابن نفسه هو يد الآب؟ إن كنا نفهم باليد القوة، فإن قوة الآب والابن واحدة. ولكن إن كنا نعني باليد بالطريقة التي تكلم بها النبي: "ولمن استُعلنت ذراع الرب؟" (إش ٥٣: ١) فإن ذراع الآب هو الابن نفسه، ليس بالمعنى الذي به نفهم أن لله شكل بشري، أو له أعضاء جسمية، وإنما به كل شيء كان[1143].

القديس أغسطينوس

"أنا والآب واحد". [30]

لم يقل "أنا والآب متطابقان"، بل "أنا والآب واحد"، إنها وحدة حب وعمل كما هي وحدة جوهر، لهذا فهي وحدة فريدة لا يمكن لخليقة ما أن تبلغها، وإنما هي المثل الأعلى للوحدة التي يشتهيها من يلتصق بالله، ويتحد معه.

جاء الحديث عن هذه الوحدة مرتبط بالحديث عن رعاية الابن والآب للمؤمن حيث لا يقدر أحد أن يخطفه من يد الابن أو الآب. كأن أساس الرعاية الإلهية هي وحدة الحب الفريد بين أقنومي الآب والابن، وغاية هذه الرعاية أن يحمل المؤمنين أيقونة الوحدة.

v     يقول المسيح نفسه: "أنا والآب واحد" [30]. يقول "واحد" حيث لا يوجد انفصال في السلطان وفي الطبيعة. لكن مرة ثانية يقول: "نحن" لكي ندرك الآب والابن، إذ نؤمن أن الآب الكامل يلد الابن الكامل؛ والآب والابن هما واحد دون خلط في الأقانيم بل في وحدة الطبيعة[1144].

القديس أمبروسيوس

v     يلزم أن يتقدم الإيمان الفهم، فيكون الفهم مكافأة على الإيمان...[1145]

v     إنه قال، وقال بالحق: "أنا وأبي واحد". ماذا يعني "واحد"؟ نحن طبيعة واحدة، جوهر واحد[1146].

القديس أغسطينوس

v     "أنا والآب واحد" [30]، وبعد ذلك يضيف: "أنا في الآب، والآب فيَّ" (يو 14: 30)، لكي يوضح وحده الألوهية من ناحية، ووحدة الجوهر من الناحية الأخرى. إذن هما واحد، ولكن ليس مثل الشيء الواحد الذي ينقسم إلى جزئين، كما أنهما ليسامثل الواحد الذي يسمى باسمين، فمرة يُدعى الآب، ومرة أخرى يُدعى هو نفسه ابنه الذاتي... لكن هما اثنان، لأن الآب هو الآب، ولا يكون ابنًا، والابن هو ابن ولا يكون أبًا.

لكن الطبيعة هي واحدة، لأن المولود لا يكون غير متشابه لوالده، لأنه صورته، وكل ما هو للآب هو للابن (يو16: 15). ولهذا فالابن ليس إلهًا آخر، لأنه لم ينشأ من خارج، وإلا فسيكون هناك آلهة كثيرون...

كلاهما واحد في الذات، وواحد في خصوصية الطبيعة، وفي وحدة الألوهية كما سبق أن قلنا حيث أن الشعاع هو النور وليس ثانيًا بعد الشمس ولا نور آخر، ولا هو ناتج من المشاركة مع النور، بل هو مولود كلي وذاتي من النور، ومثل هذا المولود هو بالضرورة نور واحد، ولا يستطيع أحد أن يقول أنه يوجد نوران. فبالرغم من أن الشمس والشعاع هما اثنان ألا أن نور الشمس الذي ينير بشعاعه كل الأشياء، هو واحد[1147].

 القديس أثناسيوس الرسولي

v     إلى هنا كان يمكن لليهود أن يحتملوه، وأما وقد سمعوا: "أنا والآب واحد" فلم يستطيعوا بعد أن يحتملوا... ها أنتم ترون أن اليهود فهموا ما لا يفهمه الأريوسيون. فقد غضبوا على هذا، وشعروا ما كان يمكن القول: "أنا وأبي واحد" إلاَّ إذا وجدت مساواة بين الآب والابن[1148].

v     إذ جاءت كلمة الله إلى البشر لكي يصيروا آلهة، فماذا يكون كلمة الله نفسه الذي عند الله إلاَّ أن يكون هو الله؟

إن كان بكلمة الله يصير البشر آلهة، إن كان بالشركة معه يصيرون آلهة، فهل يمكن لذاك الذي به ينالون الشركة ألا يكون هو الله؟

إن كانت الأنوار التي تُضاء هي آلهة، فهل النور الذي يضيء لا يكون هو الله؟

أنتم اقتربتم من النور فاستنرتم وحسبتم أبناء الله، فإن انسحبتم من النور تسقطون في غموض وتُحسبون أنكم في ظلمة، أما ذاك النور فلا يقترب (ليستنير) لأنه لا ينسحب من ذاته[1149].

v     يمكننا أحيانًا أن نقول: نحن في الله والله فينا، لكن هل يمكننا القول: "نحن والآب واحد"؟ أنتم في الله، لأن الله يحتويكم، والله فيكم لأنكم صرتم هيكل الله... لكنكم هل تقدرون أن تقولوا: "من يراني يرى الله" كما قال الابن الوحيد (يو ١٤: ٩)... "أنا والآب واحد"؟ تعرفوا على امتياز الرب الفائق، وعلى المنحة التي للخادم. امتياز الرب هو مساواة للآب، ومنحة الخادم هي الشركة مع المخلص[1150].

القديس أغسطينوس

"فتناول اليهود أيضًا حجارة ليرجموه". [31]

للمرة الثانية أراد مقاوموه أن يرجموه (يو ٨: ٥٩)، أما علة الرجم فلأنه في نظرهم قد جدَّف، إذ ادعى وحدته مع الآب. لم يدرك اليهود حقيقة شخصه لذا لم يحتملوا كلماته.

الوحدة الفريدة بين الآب والابن، والتي هي أساس العمل الرعوي الإلهي هي مصدر استنارتنا الروحية وتعزياتنا وسلامنا الداخلي. هذه الوحدة لم يستطع أن يتقبلها اليهود بل حسبوها تجديفًا على الله.

خطية التجديف عند اليهود خطية قاتلة ومميتة لا تحتاج إلى محاكمة وسماع دفاع من المتهم، بل يُعاقب الشخص فورًا. فقد جاء في المشناه أنه إن سرق إنسان إناءً مقدسًا يعاقب المتحمسون دون محاكمة. نفس الأمر إن خدم كاهن على مذبح دنس. جاء في المشناه أن اخوته الكهنة لا يأتوا به إلى المحكمة، بل يأخذه الكهنة الشباب إلى خارج دار الهيكل ويفتحون مخه (رأسه) بالهراويل. إنها خطية مرعبة تستحق عقوبة رهيبة! هكذا رأى اليهود أنه لا حاجة لمحاكمته، بل ذهبوا خارج دائرة الهيكل ليجدوا حجارة، حملوها وجاءوا بها ليرجموه دون اعتبار حتى للموضع المقدس نفسه، إذ لا يجوز الرجم في تلك المنطقة. لكن غضبهم الشديد وظهورهم بالغيرة على مجد الله جعلهم يتصرفون هكذا.

"أجابهم يسوع:

أعمالاً كثيرة حسنةأريتكم من عند أبي،

بسببأي عمل منها ترجمونني؟" [32]

قدم السيد المسيح أعماله الإلهية شهادة حية عن شخصه، فهي أقوى من الحوار بالكلام، وأسهل على فهم الحقيقة.

لماذا يصر على القول "من عند أبي؟" أما كان يكفي القول: "أعمالاً كثيرة صالحة أنا عملتها"؟ لقد أراد تأكيد أنه والآب يعملان معًا، ذات العمل الذي يمارسه الابن هو من عند الآب. إن كان الابن القدوس ينسب أعماله الصالحة للآب، فكم يليق بنا نحن الخليقة الضعيفة أن ننسب كل صلاح فينا إلى نعمة الله العاملة فينا؟

لقد تحداهم السيد قائلاً: "من منكم يبكتني على خطية؟" (٨: ٤٦)، ولم يستطع أحد أن يجيبه. فكيف يرجمون شخصًا لا يقدر أحد أن يبكته على خطية واحدة؟

بقوله "أي أعمال" بمعنى "أي نوع من الأعمال" هذه التي لا يستطيع مخلوق سماوي أو أرضي أن يفعلها، إذ هي أعمال تخص الله نفسه.

"أجابه اليهود قائلين:

لسنا نرجمك لأجل عمل حسن،

بل لأجل تجديف،

فإنك وأنت إنسان تجعل نفسكإلهًا". [33]

لم يستطع اليهود أن ينكروا الأعمال، لكنهم لم يحتملوا كلماته، حاسبين أنه قد تجاسر وساوى نفسه بالله.قالوا: "وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا" بينما يعلن الإنجيلي خلال كل السفر أنه وهو الإله صار إنسانًا.

"أجابهم يسوع:

أليس مكتوبًا في ناموسكم أنا قلتأنكمآلهة". [34]

كلمة "الناموس" هنا بالمعنى الواسع حيث تعني العهد القديم ككل. فقد ورد هذا النص في مزمور 82: ٦ عن القضاة العبرانيين بكونهم يمثلون الله.حيث يكمل المرتل: "لكن مثل الناس تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون" (مز ٨٢: ٧). فإن كان هذا قد قيل عن قضاة العهد القديم، فماذا يُقال عن السيد المسيح الذي قدسه الآب وكرسه لخلاص العالم؟

بقوله: "ناموسكم" لا يعني أنه يتبرأ من هذا الناموس، بل يتطلع إليه ككلمة الله، ولا يمكن أن يُنقض[٣٥].

v     الله ليس فقط أوجدنا من العدم، وإنما أعطانا مجانًا بنعمة اللوغوس حياة متطابقة مع الله. لكن إذ رذل البشر الأمور الروحية، وبمشورة الشيطان إذ تحولوا إلى الفساد، صاروا علة فسادهم بالموت؛ صاروا بالطبيعة فاسدين.

لكن قرر لهم بنعمة الشركة مع اللوغوس أن يهربوا من حالهم الطبيعي، ويبقوا صالحين.

فإذ حلّ اللوغوس بينهم لم يُقتلوا بفسادهم الطبيعي، كما يقول الحكمة: "خلق الله الإنسان ليكون خالدًا، وأوجده صورة أبديته. لكن بحسد إبليس جاء الموت إلى العالم" (حك 2: 23)[1151].

v      صار إنسانًا لكي نصير آلهة. وأعلن عن نفسه بجسم حتى نتقبل فكرة الآب غير المنظور، واحتمل إهانة البشر لكي ما نرث نحن عدم الموت. فإنه بينما هو نفسه لم يصبه ضرر بأي الأحوال، بكونه فوق الآلام وغير فاسد، اللوغوس نفسه، الله، فإنه سند البشر الذين يتألمون والذين من أجلهم احتمل كل هذا، وحفظهم في الألم الذي له[1152].

v     حقًا لقد أخذ الناسوت لكي نصير آلهة. لقد أعلن عن نفسه خلال جسد لكي ما ندرك عقل الآب غير المنظور، لقد احتمل العار لكي ما نرث عدم الفساد[1153].

القديس أثناسيوس الرسولي

v     "إنكم آلهة وبني العلي تدعون". لهذا الهدف صار لوغوس الله إنسانًا. ابن الله صار ابن الإنسان، حتى أن الإنسان إذ يدخل في اللوغوس، ويتقبل التبني، يصير ابنًا لله. فإنه ليس من وسيلة أخرى يمكننا بها أن نبلغ إلى عدم الفساد وعدم الموت. لكن كيف كان يمكننا أن نرتبط بعدم الفساد وعدم الموت فيُبتلع الفساد بعدم الفساد، والمائت بعدم الموت فنتقبل تبني الأبناء؟[1154]

 القديس ايريناؤس

v     أنصت إلى ما جاء في المزامير: "ألم أقل أنكم آلهة وبني العليّ تدعون؟" (مز 132: 6). يدعونا اللَّه لهذا، ألا نكون بشرًا. إنما نكون في حالٍ أفضل حين لا نكون بشرًا، وذلك إن عرفنا أولاً الحقيقة أننا بشر، بمعنى أننا نرتفع بالتواضع إلى ذلك العلو؛ لئلا عندما نظن في أنفسنا أننا شيء بينما نحن لاشيء ليس فقط لا ننال ما لسنا نحن عليه، بل ونفقد حتى ما هو نحن فيه[1155].

          القديس أغسطينوس

"إن قالآلهة لأولئك الذين صارتإليهم كلمة الله،

ولا يمكن أن ينقض المكتوب". [35]

"فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم،

أتقولون لهأنك تجدف لأني قلتإني ابن الله؟" [36]

v     ما يقوله هو من هذا النوع: "إن كان الذين يتقبلون هذه الكرامة بالنعمة لا يجدون خطأ في دعوة أنفسهم آلهة، فكيف يُوبخ ذاك الذي له هذا بالطبيعة؟[1156]

القديس يوحنا الذهبي الفم

v     ربما يتساءل أحد: إن كان الآب قد قدسه، فهل وُجد زمن لم يكن فيه قد تقدس؟ لقد قدسه بذات الطريقة التي بها ولده. فإنه في الولادة نال السلطان ليكون مقدسًا، إذ ولده في القداسة. لو أن ذاك القدوس كان قبلاً غير مقدس فكيف يمكننا القول عن الله الآب: "ليتقدس اسمك"؟[1157]

القديس أغسطينوس

"إن كنت لستأعملأعمال أبي، فلا تؤمنوا بي". [37]

"ولكن إن كنتأعمل،

فإن لم تؤمنوا بي، فآمنوا بالأعمال،

لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيّ، وأنا فيه". [38]

يدعو السيد المسيح المقاومين أن يواجهوا أعماله ويختبروها حتى متى أدركوا أنها أعمال أبيه يؤمنوا به أنه ابن الله. خلال فحص أعماله يعرفوا فيؤمنوا، وقد جاء الفعل في اليونانية يحمل معنى "تبدأوا تعرفون" أو "تأتون إلى معرفة". ويترجم البعض كلمة: "تؤمنوا" هكذا "تستمروا في معرفة هذه الأمور"، فلا تكفي بداية هذه المعرفة، إنما يلزم الاستمرار في المعرفة.

v     آمنوا إذن أن حضرة الله قائمة فيها (في أعماله). أتؤمنون بالأعمال ولا تؤمنون بالحضرة؟ إذن من أين للأعمال أن تصدر ما لم تسبقها الحضرة؟[1158]

           القديس أمبروسيوس

v     ألا ترون كيف يبرهن هنا أنه ليس فيه شيء ما أدني من الآب، بل هو مساوٍ له في كل شيءٍ؟ فإن تساوي الأعمال وكونها هي بذاتها، يقدم برهانًا على سلطانه غير المختلف[1159].

القديس يوحنا الذهبي الفم

 

"فطلبوا أيضًا أن يمسكوه،

فخرج منأيديهم". [39]

عوض الحوار معه كانت إجابتهم الوحيدة هي محاولة القبض عليه مرة أخرى ليقتلوه.

"ومضى أيضًا إلى عبر الأردن،

إلى المكان الذي كان يوحنا يعمد فيهأولاً،

ومكث هناك". [40]

في كمال حريتهم كانوا قادرين على اتهامه ظلمًا، والتخطيط للقبض عليه وقتله، والثورة ضده، أما تحقيق خطتهم فما كانوا قادرين عليه لأنه لم يكن بعد قد ُسمح لهم بذلك.

v     من عادة السيد المسيح أنه متى تكلم كلامًا عاليًا أن ينصرف سريعًا ليخفف من غيظهم، حتى بابتعاده عنهم يُسكن داء غيظهم، وهذا ما عمله في ذلك الوقت.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v     فشلوا في أن يمسكوه بسبب فقدانهم يد الإيمان. الكلمة صار جسدًا، لكنه لم يكن بالأمر العظيم أن يخلص جسده من الأيدي الجسدية. لكي تمسك بالكلمة في ذهنك هو الإدراك السليم للمسيح[1160].

القديس أغسطينوس

3 - يسوع في موضع عماده

"فأتىإليه كثيرون وقالوا:

إن يوحنا لم يفعلآية واحدة،

ولكن كل ما قاله يوحنا عن هذا كان حقًا". [41]

بسبب العداوة التي أظهروها للسيد المسيح انطلق السيد إلى الجانب الآخر من الأردن، في الموضع الذي كان فيه القديس يوحنا المعمدان يُعمد القادمين إليه. جاء ليس خوفًا من قتله، فقد جاء إلى العالم ليخلص العالم بالصليب، ولكن في الوقت المعين.

يحمل هذا الموضع ذكريات رائعة للسيد المسيح وتلاميذه، حيث شهد القديس يوحنا المعمدان عن السيد المسيح "حمل الله الذي يحمل خطية العالم". لعل سكان هذه المنطقة كانوا لا يزالون يذكرون شهادة القديس يوحنا ويرددونها. لقد استشهد القديس يوحنا وعبر من هذا العالم، لكن ثمرة شهادته ظهرت حتى بعد رحيله، إذ تذكرها أهل الموضع، وآمنوا بالسيد المسيح. لم يصنع القديس يوحنا آية واحدة، لكنهم صدقوا شهادته بدون حاجة إلى آيات.

v     إن كان اليهود صدقوا أن يوحنا المعمدان الذي لم يصنع ولا آية واحدة، فبالأولى أن يصدقوا السيد المسيح، فمن هذه الجهة يتبين سمو حال السيد المسيح وعظمته.

القديس يوحنا الذهبي الفم

"فآمن كثيرون به هناك". [42]

v     لأن الأعمال التي اجتذبتهم إليه كانت كثيرة، ولأنهم تذكروا الأقوال التي قالها يوحنا المعمدان، إذ دعاه قائلاً: "الذي يأتي بعدي هو أقوى مني" (مت 3: 11) ومما سمعوه من السماء والروح الذي ظهر بصورة حمامة.

القديس يوحنا الذهبي الفم


» زيارات المقال : 347

 

» تــاريخ المقال : 7/11/2009

 

» موقع سلطانة الحبل بلا دنس - www.peregabriel.com - عنوان المقال : انجيل الاحد: احد تجديد البيعة



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +