Skip to Content

موراني بين اللاهوت والفلسفة - المونسنيور ميشال فريفر

موراني بين اللاهوت و الفلسفة

بقلم

المونسنيور ميشال فريفر

"... إيّاكم أن يُضلّكم أحد" (مرقس 13: 5)

 

         تبخًر الفكر الباحث أبدًا عن الحقيقة، وغاب الوجه الذي عرفه عالم الفلسفة، وطُويت صفحة كاهنٍ عاش أبعاد الرجاء إلى النهاية، وخدم الكلمة والكنيسة. غيّبه الموت عن اثنين وثمانين عامًا مُردّدًا كلام الربّ لبطرس ويعقوب ويوحنا وأندراوس: "... إيّاكم أن يُضلّكم أحد".

 

        لم تترك يمنى المثلث الرحمات المطران أنطوان حميد موراني , الصليب للبركة والقلم للكتابة، ولا يُسراه عصا الرعاية، ولا رأسه المنحني تاج السيّد الملك، ولا فمه كلمة الله، ولا قلبه المحبة والغفران  والرحمة والعطف، ولا ضميره ميزان الحقّ والعدل، ولا فكره البحث عن الحقيقة، ولا لسانه الشهادة للمسيح مناجيًا إيّاه كاهنًا وأسقفًا طيلة اثنين وخمسين عاماً: "دخلتُ بيتك يا ألله وفي هيكلك سجدت فيا ملك المجد أغفر لي ما خطئت به إليك".

ولد في منيارة، القرية اللبنانية الشمالية، القريبة من أرز الرّب عام ألف وتسعمئة وثلاثين في قضاء مشتى الحلو. سيّم كاهناً عام ألف وتسعمئة وستين، وأسقفاً عام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين. كتب كتبًأ تخطّى عددها العشرين (أهمها: المنطق والحقيقة في ذاتها عند بولزانو (بالألمانية)، ط1 ، فرانكفورت 1978. كتاب الرجاء، حركة كنيسة من أجل عالمنا، المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1980. الإنسان وفعل الروح، ط1، دار المشرق، بيروت 1989، ط2 1995. الوجدان التاريخي الماروني بين القديم والجديد، بيروت 1981. في هوية لبنان التاريخية، دار النهار بيروت 1994. هيغل: كتابات الشباب، دار الطليعة بيروت 2003. على مشارف الملكوت، بيروت 2007 إلخ....)،  ومقالاتٍ قاربت الخمسين (بين إلغاء الطائفية السياسية ومعقولية تاريخنا، جريدة النهار العدد 19135، 19/ 5/ 1995. الإرشاد الرسولي واستراتيجيا المقاومة، العدد 19930 و 19931، 1997. التقليد والدستور أو البطريركيّة ورئاسة الجمهوريّة، العدد 20837، 19/ 12/ 2000. عبور الطائفية إلى كل لبنان، العدد 21337، 1/ 8/ 2002. بولس والسلوك السياسي(3) العدد 21514، 2/2/ 2003. السياسة والحسّ التاريخي في لبنان، العدد 22602، 20/ 3/2006إلخ...).

 

علّم تاريخ الفلسفة والأنتريولوجيا، والفلسفة اليونانية والفلسفة المعاصرة (جامعة القديس يوسف , كلية اللاهوت بيروت 1960 – 1963, الجامعة اللبنانية 1976- 1979)  , وأتقن لغات أجنبية ( الفرنسية, الإيطالية, الإلمانية, اللاتينية, اليونانية و السريانية) , وأمّن الخدمة الروحيّة حيثما حلّ, وغفر خطايا, ووعظ وأرشد, وكان في كل ما قاله وكتبه "رجل الله"، كاهنًا يُفقّه صفحات إنجيله والفلسفة، وهو من أدخل فضيلة الرجاء عالم حياته قائلاً: "الرجاء... هو اختبارٌ إنسانيّ عميق المعنى واسع الأبعاد يجعل الإنسان قادرًا على مواجهة التاريخ بثقةٍ في النهاية والمعنى" (كتاب الرجاء 1980، المقدمة)، وأن "الربّ هو سيّد التاريخ وسيد المستقبل، هو رجاؤنا وخلاصنا وهو الذي أحبّنا" (عَلَم كنيسة الرجاء 2011، ص 46).

 

بالرجاء، واجه – رحمه الله – الحياة والموت، الخطيئة والمصير، المستقبل والتاريخ، مؤمنًا أنّ:

-         الفلسفة هي أمّ اللاهوت، كما المسيح "ليس إله أموات بل إله أحياء" (مر 12: 27

-         الحياة المسيحية هي حياة رجاء بفضل الروح القدس، واشتراكٌ في موت المسيح وقيامته وطاعته التي حوّلت لعنة الموت إلى بركة (رو 5: 19- 21).

-         كلمة الربّ هي مبدأ الحياة كلّها، والفلسفة هي البحث عن الحقيقة ومبادئها، والحقيقة هي الله الكلي النعمة والحقّ.

 

بالإيمان، السرّ الذي يمتد امتداد نعمة الكهنوت، تحدّى بطاعته الفلسفة وآمن أنّ:

-         سيّده المسيح هو مصدر كلّ سلطة ما في السماء وما على الأرض، ومنشأ كل عمل ورسالة في الكنيسة، ومُعطي الهدف الخلاصيّ المُقدّس.

-         الكنيسة هي "شركة القدّيسين"، وقد تقلّد فيها السلطة من المسيح، فخوّلته التّدخل في قراراتها الحاسمة في مجامعها المُقدّسة.

-         الشراكة هي جزءٌ من فلسفة الحياة، والحقيقة كلّ الحقيقة يسوع المسيح القائم من الموت.

-         الفكر الفلسفي وحتميّة محدوديّته أمام عظمة قيامة المسيح، وقدرته الكليّة على إعادة الحياة للمائتين، وأنّ حياة الإنسان ستُحال إلى حياة المسيح إمّا للهلاك، وإمّا للسعادة في السماء، وهو من رغب رغبة الرسول بولس في الرّحيل ليكون مع المسيح (فل 1: 23).

 

بالمحبّة، عاش في عُمق كلمة الله والفكر الفلسفي والعمل الرعائي سرّ الشّراكة السعيدة مع المسيح (لو 10؛1قور 9:1؛1قور16:10؛2قور4:8؛ 2 قور 14:13؛ أف9:3؛فل10:3 إلخ) مُتمّمًا بفرح إرادته. صلّى، وللجميع صلّى، خدم والجميع قد خدم, قائلاً لعالم الفلسفة: أنّ المحبّة هي الله، ومحبّة الله للإنسان هي أقوى من الفكر والموت: "إيّاكم أن يضلّكم أحد" (مر 13: 5).

حقًّا، لم تُضلّله الأفكار الفلسفيّة، لأنّه لم ينسى أنّه "خاصّةُ جسد المسيح"، الذي تغذّى منه في الافخارستيّا مُردّدًا قول بولس الرسول: "تلك ثقتنا بالمسيح عند الله، ... فهو الذي مكّننا أن نكون خدم عهدٍ جديد، عهد الروح، لا عهد الحرف، لأنّ الحرف يُميت والروح يُحيي" (2قور 3: 4- 5) مؤمناً إيمان رسول الأمم بولس أنّه في النهاية "نظهر نحن أيضًا معه في المجد" (2قور 3: 4- 5).

حمل الوزنات الفلسفية العشر، ووضعها على مذبح ربّه، وشهد بحقّ لروح كلمته الخلاصيّة. إنّه من فرحت به الكنيسة وبكت:

بكت، لأنّ قلمه سقط من يده، وفكره توقف...

فرحت، لأنّه نقل الفلسفة أمّ اللاهوت إلى اللاهوت كلّه، الذي ينقل الإنسان إلى يسوع الكونيّ، ابن الله، المُتجسّد، وفادي العالم.

 

هذا هو المثلث الرحمات المطران أنطوان حميد موراني، المؤمن بقدرة وعمل الثالوث القدّوس, الذي يُقدّس ويُحيي ويُقيم من الموت، مثال الرعيّة (1بط 5: 3)، غير المتسلّط على ميراث الله، المستقيل بعمر التسعة والستين عاماً, مواصل مهمة بطرس وبولس وسائر الرسل الراعويّة في التّدبير والتّعليم والتّقديس، حافظ الحقّ الذي يُحرّر، المدافع عن حقّ الله كدفاع المسيح، وبولس واسطفانوس عن المسيح، و الروح القدس عن الكنيسة, بمنطقٍ فلسفيّ جاء شهادة صادقة للحياة الجديدة المُقتناة بفداء المسيح، الذي عاش معه وسيعاينه "كما هو" (1 يو 3: 2) "وجهًا إلى وجه" (1قور 13: 12؛ رؤ 22: 4).

يا سيّد الفكر والكلمة، تقول لك الفلسفة اليوم: "لا تنسَ من عشقته في حياتك, اذكرني حيث أنت "، والكنيسة اليوم تطلب لك الغفران وواسع الرحمة. فليحفظك بعنايته لتدخل من الباب إلى الملكوت مودّعاً البيعة المقدّسة التي خدمت و أحببت, بقول الربّ لبطرس ويعقوب ويوحنا وأندراوس "... إيّاكم أن يُضلّكم أحد" (مر 13: 5).

 

 

بيروت في 18-4-2012

التعليقات

موراني بين اللاهوت والفلسفة

رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه لقد كان مجاهدا حقيقيا في المسيحية وفي إيصال البشارة للناس أعطنا يارب فكرا نيرا وقلبا طاهرا لنكون شهود حقيقيين للمسيح يسوع ونتمثل بالقدوة الحسنة المثلث الرحمات آمين



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +