Skip to Content

اليوم السادس : القصاص هو الحرمان من الله، الحرمان من السماء - جنود مريم

اليوم السادس

قصاص الحرمان: الحرمان من الله، الحرمان من السماء

 

Click to view full size image

      1. الحرمان من الله (الغربة)

       ليس المطهر أو ناره هما القصاص الرئيسيّ. هناك قصاص أعظم بكثير هو قصاص الدنس كما يسمّيه علماء اللاهوت. نحن، في هذا العالم، لا نقدّر قصاص الحرمان من الله حقّ قدره. لأنّنا لا نراه مباشرة، فلا نحبّه من كلّ قلبنا ولا نفكّر به دائمًا. أمّا الأنفس المطهريّة فقد شاهدته يوم دينونتهم، رأت أعينهم مشهدًا عظيمًا لا يوصف، كما يقول القدّيس أمبرواز.

       لقد كشف الله ذاته بكامل مجده، وطبع صورته البهيّة في أرواحهم بحيويّة قويّة. وذخّرهم ببريق ملكوته اللامتناهي؛ فغدوا بشوقٍ دائمٍ إليه، يحبّونه حبًّا نقيًّا لا كدر فيه ولا شائبة.

 

       هذا الحبّ الذي لا يرتوي، هذا الحرمان، هذا الجوع وهذا الظمأ إلى الله، يسحقهم ويعذّبهم عذابًا أليمًا. يموتون من غير أن يموتوا ويدمّرون من غير أن يدمّروا. لقد سمّت الكنيسة هذه الحال، وبكلّ وعي، الموت: فقال: "يا ربّ، خلّصهم من الموت".

       ولإعطاء فكرة عن هذا العذاب، تخيّل رجلاً يموت خنقًا بانحسار الهواء عنه. فإنّه يجهد ويميد بلا هوادة سعيًا للتنفّس، صدره يرتفع وينتفخ يشهق ولا يشهق! إنّه صراع بين الحياة والموت. ما حفنة من الهواء مقارنة مع الله تعالى؟ ما الموت كلّ لحظة بسبب الحرمان من الله الذي هو تنفّس الأرواح؟ يا له من جوع حيّ دائم! يا له من نزاع أليم لا ينتهي!

       يا ربّ خلّصهم من هذا الموت المتواصل. أظهر لهم وجهك البهيّ. أيّها الآب السماوي أرجع إليك أبناءك المنفيّين.


      2. الحرمان من السماء

       لا تحرم النفس، في المطهر، من موطنها الأرضي بالزمن فحسب، بل من موطنها الحقيقي والأبديّ، أيّ السماء. لقد شاهدت من بعيد هذا الوطن السعيد، الذي، حالما تترك وادي الدموع، ستقف أمام السيّد المسيح الذي هو فرح وسعادة المختارين.

       لقد شعرت بموطنها الأبديّ الحقيقيّ يومَ حكم عليها بالمطهر. لقد تذكّرت دعوة السيّد المسيح إلى النفوس الطاهرة حيث قال: "تعالوا، يا مباركي أبي واملكوا ملكوت السماوات الذي حضّر لكم منذ البدء". لقد عاينت النفس في المطهر، من بعيد، جمالات هذا الوطن كلّها. لكنّها لا تستطيع الانطلاق إلى هذا الوطن الذي ترغبه بشغف عظيم. قد يكون عليها الانتظار أيّامًا وسنوات وقرونًا قبل الغوص في شلال لذّاته. يا إلهي ما أصعب هذا المنفى وما أقسى الانتظار فيه.

       بيد أنّ آلام هذه النفس المتألّمة مؤثّرة جدًّا فتراها تقول: أنا البائسة المنفيّة، متى أرى موطني وعائلتي التي في السماء؟ أنا البائسة اليتيمة، متى أتّحد بأهلي وأخوتي وأخواتي الذين في المجد فيمدّون لي أيديهم؟ متى يسمح لي أن أتّحد بالمسيح، عروسي السماوي؟ أيّتها الأبواب الأبديّة انفتحي! انفتحي!".

       عندها يجاوبها صوت سماويّ قائلاً: لم يحن الوقت بعد! لاحقًا لاحقًا!

       أيّتها النفوس البشريّة، أنت قادرة على فتح هذه الأبواب! لا تعلمين أنّ الصلاة والحسنة هما المفاتيح الذهبيّة لأبواب السماء؟

       صلّوا واعطوا فتصعدَ النفوس المنفيّة في المطهر، إلى حيث السعادة، وتنشد رحمة الله إلى الأبد.


مثال

       عندما نفي بنو إسرائيل إلى بابل، بعيدًا عن أرضهم، حيث لم يروا غير ضفاف الفرات، كانوا يجلسون حزانى في أرض الغربة ويبكون ذكرى أورشليم الفقيدة.

       لقد فقدوا تعابير الفرح وأناشيد الحبور. قيثاراتهم علّقت خرساء على أشجار الصفصاف النابتة على الضفاف.

           "لماذا تبكون يا أولاد إسرائيل" يسألهم البابليّون.

-            إنّنا نتذكّر أرض صهيون، وطننا! نتذكّر ونندم".

-            غنّوا يا أبناء صهيون المنفيّين فتهدأوا من آلامكم وتتلهّوا عن حزنكم. غنّوا بعض الأناشيد الوطنيّة! غنّوا أغنية الوطن! غنّوا!"

-            " هل للمنفي قدرة الغناء للوطن على الضفاف الغريبة؟ بعيدًا عن أرضه فهو يتذكّر ويندم ويتنهّد وينتحب وينتظر في الدموع أمل العودة. إيه أورشليم! فلتلتصق ألسنتنا بحلقنا إذا نسيناك يومًا!.

       أما نحن فأرواح أخوتنا أسيرة العدالة الإلهيّة بعيدًا عن الوطن الذي ينادونه بحبُهم. فهم على أطراف الأعماق اللامتناهية، حيث كفّارتهم تقودهم إلى منفى الألم. يقفون ويندمون آلاف المرّات أكثر من أهل الأرض. هناك حيث هم في هيام الوطن السماوي ينتحبون فقدانه. غير أنّ دموعهم تختلف عن دموعنا اختلاف السماء عن الأرض واختلاف الزمن عن الأبديّة. كالإنسان السليم يملك غريزة الأكل عندما يجوع، فإذا امتنع عن الأكل يتعاظم جوعه باستمرار لأنّ غريزته لا تنقص.


       لنفرض أنّ هناك خبزًا واحدًا في العالم قادر على إشباع جوع كلّ مخلوق. يبقى الإنسان في ألم لا يشفى منه وجوع يتزايد وهو يحاول الحصول عليه. ولنفرض أنّ مشاهدة هذا الخبز فقط كافية لإشباع جوعه، فإنّ غريزته ستدفعه إلى رغبة مشاهدته لإرضاء، ولكن عندما يتأكّد أنّه غير مسموح له أن يشاهده، عند ذلك فقط، سيشعر كأنّه في جهنّم. سيكون عند ذلك ملعونًا ومحرومًا من كلّ أمل في مشاهدة وجه الله، الخبز الحيّ، المخلّص الحقيقيّ.


       أمّا الأنفس المطهريّة فلها رجاء تأمّل الخبز الحيّ والارتواء منه. بيد أنّها تبقى تعاني الجوع والألم طويلاً فلا تشبع من الخبز الحيّ، يسوع المسيح، حبّنا وإلهنا المخلّص.


       لنصلِّ:

أيّها الربّ الرحوم، القدّوس والعادل، إقبل برحمتك حُبّ هذه الأنفس المقدّسة. لا تتخلَّ عن رغبتهم الحارّة فيك ولا تنبذهم. إفتح، يا ربّ، قلبك القدّوس لهم واسمح لهم الغوص فيك. يا يسوع الحبيب أدعُ أبناءك وأخوتنا إلى السعادة الأبديّة والنور الذي لا ينطفئ ينيرهم! فليرقدوا بسلام!

 

من كتاب :           


شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهريّة

 

 

جمعيّة "جنود مريم"



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +